سورة الفرقان - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (31)}
قوله تعالى: {وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ} يريد محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يشكوهم إلى الله تعالى. {إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} أي قالوا فيه غير الحق من إنه سحر وشعر، عن مجاهد والنخعي.
وقيل: معنى {مَهْجُوراً} أي متروكا، فعزاه الله تبارك وتعالى وسلاه بقوله: {وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} أي كما جعلنا لك يا محمد عدوا من مشركي قومك- وهو أبو جهل في قول ابن عباس- فكذلك جعلنا لكل نبى عدوا من مشركي قومه، فاصبر لامرى كما صبروا، فإنى هاديك وناصرك على كل من ناوأك. وقد قيل: إن قول الرسول {يا رَبِّ} إنما يقوله يوم القيامة، أي هجروا القرآن وهجروني وكذبوني.
وقال أنس قال النبي صلى الله غلية وسلم: «من تعلم القرآن وعلق مصحفه لم يتعاهد ولم ينظر فيه جاء
يوم القيامة متعلقا به يقول يا رب العالمين إن عبدك هذا اتخذني مهجورا فاقض بيني وبينه». ذكره الثعلبي. {وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً} نصب على الحال أو التمييز، أي يهديك وينصرك فلا تبال بمن عاداك.
وقال ابن عباس: عدو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو جهل لعنه الله.


{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (32) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33)}
قوله تعالى: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً} اختلف في قائل ذلك على قولين: أحدهما- أنهم كفار قريش، قاله ابن عباس. والثاني- انهم اليهود حين رأوا نزول القرآن مفرقا قالوا: هلا أنزل عليه جملة واحدة كما أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود. فقال الله تعالى: {كَذلِكَ} أي فعلنا {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ} نقوى به قلبك فتعيه وتحمله، لان الكتب المتقدمة أنزلت على أنبياء يكتبون ويقرءون، والقرآن أنزل على نبى أمي، ولان من القرآن الناسخ والمنسوخ، ومنه ما هو جواب لمن سأل عن أمور، ففرقناه ليكون أوعى للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأيسر على العامل به، فكان كلما نزل وحى جديد زاده قوة قلب. قلت: فإن قيل هلا أنزل القرآن دفعة واحدة وحفظه إذا كان ذلك في قدرته؟. قيل: في قدرة الله أن يعلمه الكتاب والقرآن في لحظة واحدة، ولكنه لم يفعل ولا معترض عليه في حكمه، وقد بينا وجه الحكمة في ذلك. وقد قيل: إن قوله: {كَذلِكَ} من كلام المشركين، أي لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك، أي كالتوراة والإنجيل، فيتم الوقف على {كَذلِكَ} ثم يبتدئ {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ}. ويجوز أن يكون الوقف على قوله: {جُمْلَةً واحِدَةً} ثم يبتدئ {كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ} على معنى أنزلناه عليك كذلك متفرقا لنثبت به فؤادك. قال ابن الأنباري: والوجه الأول أجود وأحسن، والقول الثاني قد جاء به التفسير، حدثنا محمد ابن عثمان الشيبى قال حدثنا منجاب قال حدثنا بشر بن عمارة عن أبى روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} قال: أنزل القرآن جملة واحدة من عند الله عز وجل في اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء، فنجمه السفرة الكرام على جبريل عشرين ليلة، ونجمه جبريل عليه السلام على محمد عشرين سنة. قال: فهو قوله: {فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ} يعني نجوم القرآن {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} قال: فلما لم ينزل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جملة واحدة، قال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة، فقال الله تبارك وتعالى: {كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ} يا محمد. {وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا} يقول: ورسلناه ترسيلا، يقول: شيئا بعد شي. {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} يقول: لو أنزلنا عليك القرآن جملة واحدة ثم سألوك لم يكن عندك ما تجيب به، ولكن نمسك عليك فإذا سألوك أجبت. قال النحاس: وكان ذلك من علامات النبوة، لأنهم لا يسألون عن شيء إلا أجيبوا عنه، وهذا لا يكون إلا من نبى، فكان ذلك تثبيتا لفؤاده وأفئدتهم، ويدل على هذا {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} ولو نزل جملة بما فيه من الفرائض لثقل عليهم، وعلم الله عز وجل أن الصلاح في إنزاله متفرقا، لأنهم ينبهون به مرة بعد مرة، ولو نزل جملة واحدة لزال معنى التنبيه وفيه ناسخ ومنسوخ، فكانوا يتعبدون بالشيء إلى وقت بعينه قد علم الله عز وجل فيه الصلاح، ثم ينزل النسخ بعد ذلك، فمحال أن ينزل جملة واحدة: افعلوا كذا ولا تفعلوا. قال النحاس: والأولى أن يكون التمام {جُمْلَةً واحِدَةً} لأنه إذا وقف على {كَذلِكَ} صار المعنى كالتوراة والإنجيل والزبور ولم يتقدم لها ذكر. قال الضحاك: {وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} أي تفصيلا. والمعنى: أحسن من مثلهم تفصيلا، فحذف لعلم السامع.
وقيل: كان المشركون يستمدون من أهل الكتاب وكان قد غلب على أهل الكتاب التحريف والتبديل، فكان ما يأتي به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن تفسيرا مما عندهم، لأنهم كانوا يخلطون الحق بالباطل، والحق المحض أحسن من حق مختلط بباطل، ولهذا قال تعالى: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ}.
وقيل: {لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ} كقولهم في صفة عيسى إنه خلق من غير أب إلا جئناك بالحق أي بما فيه نقض حجتهم كآدم إذ خلق من غير أب وام.


{الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (34)}
قوله تعالى: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ} تقدم في سبحان. {أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً} لأنهم في جهنم.
وقال مقاتل: قال الكفار لأصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو شر الخلق. فنزلت الآية. {وَأَضَلُّ سَبِيلًا} أي دينا وطريقا. ونظم الآية: ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق، وأنت منصور عليهم بالحجج الواضحة، وهم محشورون على وجوههم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8